ما الذي يعد محور التنمية البشرية في الإسلام ؟

كتاب كراسة - آخر تحديث: 2020-9-21 12:45
ما الذي يعد محور التنمية البشرية في الإسلام ؟ - كراسة

عناوين

ما الذي يعد محور التنمية البشرية في الإسلام ؟ وهل علم التنمية البشرية الذي ظهر في السنوات الأخيرة له علاقة بالإسلام أم يعتبر من العلوم المنفصلة عن الدين؟ وهل يمكن للإنسان المسلم الاهتمام بعلم التنمية البشرية واستغلاله لرفع مستواه بعيدا عن أمور الدين؟ كل هذه الأسئلة ظهرت في الأونة الأخيرة، خاصة من الشباب المتدين الذي لا يرغب أن يقحم أمورا محدثة في حياته قد لا تكون متوافقة مع كونه مسلم متدين. لذلك سنتحدث اليوم عن محور التنمية البشرية في الإسلام وكيفية استخدام علم التنمية البشرية في بناء شخصية المسلم.

هل هناك وجود لعلم التنمية البشرية في الإسلام ؟



خرج الدين الإسلامي من أرض البدو ذات العادات والتقاليد الصارمة والتي لا يقبل أبناؤها أي نوع من التغير أو الحداثة في أسلوب حياتهم. فجاء الإسلام لتغيير المفاهيم حول العديد من المواضيع من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد ومن الاتجار في البشر واسترقاقهم واستعبادهم إلى رفع قيمة الإنسان ومنحه حريته ومن التفاخر بالأنساب والأولاد إلى أن أصبح الأكرم عند الله هو الأتقى فكان الإسلام دينا يهدف إلى تغيير أسلوب حياة الإنسان للأفضل والأرقى فمعنى كلمة تنمية هو رعاية الشيء وإكثاره لذلك ركز الإسلام على بناء شخصية المسلم وإصلاحه ليكون فرد نافع في المجتمع الإسلامي وهذا هو ما يهدف إليه علم التنمية البشرية. وهكذا يمكننا أن نجيب على سؤال ما الذي يعد محور التنمية البشرية في الإسلام

ماذا يقصد بالتنمية البشرية في الإسلام ؟



لا يختلف مفهوم التنمية البشرية في الإسلام عن مفهومها العام الذي يتم شرحه وفي كل كتب ومقالات ومحاضرات التنمية البشرية التي يتم إلقائها يوميا، ولكن عادة ما يكون الاختلاف الوحيد بينهما هو الهدف الكبير وراء كل هذا وهو أن يجعل الإنسان كل أعماله ومهامه وتنميته لنفسه وبناء حياته ورعايته لمجتمعه في النهاية لوجه الله تعالى وإخلاصا لدينه.

ما الذي يعد محور التنمية البشرية في الإسلام وفي القرآن؟



إذا بحثنا فسنعثر على التنمية البشرية في الإسلام في كل مكان في القرآن والسنة ومواقف الرسول مع الصحابة ومواقف الصحابة مع بعضهم وخاصة خلال السنوات الأولى من بناء الدولة الإسلامية وسنذكر بعض هذه المواقف فيما يلي:

التنمية البشرية في القرآن والسنة

أنزل الله القرآن ليعلم الناس كيف يعبدون الله وكيف يصلحون في الأرض. فكان الإصلاح في الأرض المحور الأساسي الذي ترتكز عليه التنمية البشرية في الإسلام. وكان الهدف منه هو بناء شخصية المسلم على النحو الأفضل ليكون مهيئا لحمل رسالة الإسلام إلى العالم أجمع. وهي أعظم الأمانات التي وضعها الله سبحانه وتعالى على كاهل الإنسان المسلم وأصعبها. فقال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ فإذا نظرت للقرآن فستجده مليئا بالآيات التي تشرح معنى التنمية البشرية ولكن بكلمات مفصلة أكثر وكل كلمة منها تحمل معنى عميقا يهدف لتنمية جزء في شخصية المسلم. على سبيل المثال:

-         جعل الله الإنسان خليفته في الأرض: قال تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا" وهذا يعني أن الله اصطفى الإنسان على جميع مخلوقاته ليحمل رسالة الله إلى الأرض ويعمرها بالخير وهي مهمة عظيمة على الإنسان أن يستوعب حجمها ويجتهد لينجح فيها.

أمر الله الإنسان بالاهتمام بتحصيل العلم والمعارف بكل أنواعها: قال تعالى "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ 

-         بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"  حيث أن المسلم الجاهل لا يستطيع أن يحمل الإسلام للعالم ولا أن يساعد في بناء دول الإسلام أو حتى يساعد نفسه.

-         الحث على العمل: قال تعالى:

"ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى اللّه، وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" وقال تعالى في موضع آخر: "إنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا" و" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" بالإضافة " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"

-         الحث على الاجتهاد في العمل وإتقانه: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"

 كما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف على قيمة العمل وأهميته: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم، عملاً أن يتقنه» هو حديث هام يجيب على تساؤل ما الذي يعد محور التنمية البشرية في الإسلام

حث النبي (صلى الله عليه وسلم) على العمل ورعاية الأسرة فقال: «ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة»

-         تزكية النفس: حث الله الإنسان المسلم على تزكية نفسه وتنقيتها من الخبائث والشرور والآثام ومجاهدة النفس لإصلاح الذات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ)

-         أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخذ بالأسباب وعدم التواكل: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا )

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدف هنا أن يبدأ الرجل عمله من ماله الخاص معتمدا على نفسه بغير أن يسأل الناس. وأكمل صلى الله عليه وسلم ((وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي به)) وذلك ليكون الرجل مطمئنا أن أهله وأطفاله ليسوا جوعى فيرجع إلى سؤال الناس.

وعندما جاءه بالقدوم شد النبي بيد الشريفة عليه عصى بمعنى أنه ركب لقطعة الحديد عصا ليصبح مثل الفأس. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلَا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا ثُمَّ قَالَ هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ )).

وبذلك يكون نكون قد تعرفنا على ما الذي يعد محور التنمية البشرية في الاسلام وأن التنمية البشرية هي واحدة من أهم أهداف الإسلام من أجل صلاح الفرد والمجتمع الذي يعيش به الجميع لأجل تحقيق أهداف سامية.