كيف يكون الانصاف في التوزيع .. الانصاف في الاسلام

كتاب كراسة - آخر تحديث: 2020-9-29 11:34
كيف يكون الانصاف في التوزيع  .. الانصاف في الاسلام - كراسة

عناوين

كيف يكون الانصاف في التوزيع ؟ سؤال عادة ما يطرحه شخص يشعر بقدر من الظلم أو يتوقع أن يتعرض للظلم في وقت قريب. ففي داخل بيوتنا يبحث الأبناء عن الإنصاف من والديهم، وفي الدولة يبحث الفقراء عن الإنصاف في توزيع الموارد، وفي العمل يبحث الموظف المجتهد عن الإنصاف في توزيع المكافئات والمنح حتى في الأعياد والمناسبات الدينية يبحث المحتاجين عن الإنصاف في توزيع الزكاة الصدقات.

 مما جعل الإنصاف هدف يبحث عنه كل فرد في المجتمع ماعدا الأشخاص غير المنصفون بالطبع. لذلك سنتحدث اليوم عن كيف يكون الانصاف في التوزيع ؟ وكيف يستطيع كل إنسان أن يحقق الإنصاف في موقعه.

إذا سألت أي إنسان عن ما هو الإنصاف ففي الأغلب ستجد الإجابة أن الإنصاف هو العدل، وهذه إجابة ليست كاملة. فالعدل معنى شامل يحمل بداخله الكثير من المعاني والصفات ويعتبر الإنصاف واحد من أساليب تحقيق العدل في الحياة. ولكن ما هو المعنى الحقيقي للإنصاف؟

ما هو الإنصاف ؟



عندما نبحث في معاجم اللغة العربية عن كلمة الإنصاف فسنجد أن الإنصاف يعني: إعطاء الشخص حقه وما يستحق كاملا وكأنك تعطي هذا الحق لنفسك.

حيث أتت كلمة الإنصاف من مصدر النصف، ويعني هذا أن عندما يختصم شريكان لفض شركتهما يقوم القاضي بمنح كل واحد منهما النصف ليتحقق العدل والمساواة وبذلك يكون كلا منهما قد حصل على حقه كاملا ومستوفيا

لذلك يرى الفقهاء أن الإنصاف يتحقق عند تطبيق مزيج من العدل مع المساواة بين الناس.

أي أن إعطاء الحق وحده لا يكفي ليتحقق الإنصاف، ولكن يتحقق بحصول الشخص على حقه كاملا مستوفيا لا ينقصه قشة واحدة وكأنك تعطي نفسك حقها وتستوفيها.

كيف يكون الانصاف في التوزيع في الإسلام



حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإنصاف في التوزيع في مواطن كثيرة في السنة النبوية المشرفة.

حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سيّد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في اللَّه، وذكر اللَّه على كلّ حال».

وأيضا ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألا إنّه من يُنصف الناس من نفسه لم يزده اللَّه إلّا عزّاً».

نظرية الإنصاف  في التوزيع



وضعت نظرية الإنصاف لأول مرة في ستينيات القرن العشرين على يد عالم النفس السلوكي البروفيسور (ج. ستايسي آدامز) والذي طرح نفس السؤال وهو كيف يكون الانصاف في التوزيع وما أهميته؟ والذي أكد في نظريته أن الموظفين يقومون بعملهم باجتهاد أكثر بكثير عندما يشعرون أنهم سيحصلون على الإنصاف عن طريق المساواة بين المدخلات التي جلبوها للوظيفة والمخرجات وهي الناتج النهائي لعملهم.

لذلك اعتمدت فكرة نظرية الإنصاف على أن شعور الإنسان بالعدل والمساواة يحفزه على العمل وبناء المجتمع لأنه يعلم في داخله أنه سيحصل على حقه الناتج عن عمله هذا بإنصاف.

وتستند هذه النظرية على الاعتقاد بأن الأفراد يقدرون المعاملة العادلة التي تدفعهم للحفاظ على النزاهة في العلاقات بين جهات العمل وزملائهم مما ينتج بيئة عمل صحية قادرة على الإنتاج بأفضل شكل.

وتركز نظرية الإنصاف على التأكد من توزيع الموارد على جميع المالكين بالتساوي وأن يحصل كل واحد منهم على حقه كاملا.

كيف يكون الانصاف في التوزيع داخل الأسرة ؟



تعتبر الأسرة نموذج مصغر للمجتمع، لذلك يجب على كل إنسان أن يبدأ في فهم معنى الإنصاف في سن صغيرة ليخرج للمجتمع إنسان سوي يفهم معنى قيمة الإنصاف ويعمل على تطبيقها في مجتمعه.

ومن أهم مظاهر الإنصاف وإجابة على سؤال كيف يكون الانصاف في التوزيع حيث يجب أن تحرص كل أسرة على تطبيقها هو الإنصاف بين الأبناء. حيث نجد في كثير من المناطق النائية أن مازال حتى اليوم الكثير من الأسر تهتم بتعليم الأولاد وإرسالهم إلى المدارس على حساب البنات اللاتي يخسرن فرصهن في التعليم، على الرغم من أن الكثير من البنات قد تكون أكثر تفوقا وذكاء ويستطعن الوصول لمراكز كبيرة، وهذا غير منصف على الإطلاق.

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأبناء. وذلك لأنه أدعى إلى بر الأبناء بآبائهم، وأرفع للشحناء والبغضاء بينهم، لحديث النعمان بن بشير قال: تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي: عمرة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟" قال: لا. قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" متفق عليه.

وفي لفظ لمسلم: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذن".

كما أمر الله أن يكون الزوج منصفا مع زوجاته وأن يعدل بينهما في كل شيء في المسكن والمأكل والملبس والمبيت ، بل وفي كل شيء ظاهر ، يمكنه العدل فيه .

وقد روى أبو داود وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ ) صححه الألباني في "صحيح الجامع"

كما كان السلف الصالح يعمل على العدل بين الزوجات، فعن جابر بن زيد قال : كانت لي امرأتان وكنت أعدل بينهما حتى في القبل .وعن مجاهد قال : كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء ، حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه .وكان محمد بن سيرين يقول فيمن له امرأتان : يُكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" القول الصحيح في العدل بين الزوجات أنه يجب على الزوج أن يعدل بينهن في كل ما يمكنه العدل فيه ، سواءٌ من الهدايا أو النفقات ، بل وحتى الجماع إن قدر : يجب عليه أن يعدل فيه "

كيف يكون الانصاف في التوزيع في المجتمع ؟



يجب على القائمين على الحكومات الاهتمام بالانصاف في التوزيع بين المناطق المحافظات المختلفة والمناطق القريبة والمناطق النائية في خدمات المقدمة من الدولة.

حيث غالبا ما نجد الدولة تهتم بالعاصمة والمحافظات الكبيرة ويقل الاهتمام كلما ابتعدت المحافظات وتطرفت. فنجد أن العاصمة تحتوي على عدد كبير من المستشفيات والمراكز الطبية والتي تقدم الخدمات الطبية على مستوى جيد في حين أن المحافظات البعيدة تفتقر جدا للرعاية الصحية الجيدة وتقل بها المستشفيات والتي غالبا ما تكون غير متخصصة، مما يجعل كل مواطن يحتاج إلى خدمة طبية خاصة يتحمل الكثير من العبء للوصول للعاصمة من أجل الحصول على الخدمة الطبية التي يفتقر إليها في منطقته.

وبالمثل نجد أن العاصمة تحتوي على عدد ممتاز من المدارس والتي تستطيع استيعاب كل هذه الأعداد من التلاميذ، فيحين أن على الرقم من انخفاض أعداد التلاميذ في المحافظات البعيدة إلا أنهم لا يجدون المدارس الكافية ولا حتى المقاعد الكافية ليجلس كل تلميذ في مكان لائق وملائم.

كل هذه العوامل من أهم أسباب هجرة الريف إلى المدينة وهو شعور المواطن بعدم الانصاف في التوزيع بين الريف والمدينة.

وبذلك نكون قد جمعنا أهم الأجوبة عن سؤال كيف يكون الانصاف في التوزيع ؟ على أمل أن يستطيع كل غنسان أن يحصل على الإنصاف في حياته داخل أسرته وفي وطنه.